و بقي منها حطام أنثى بقلم منال سالم
الفراش لتترك الفراش .. فكفى بها ما حدث لها اليوم ولكنها تفاجئت به يدنو منها وهو يهتف بنبرة هادئة
انا مستعجلتش في حضورك كان ممكن تستني لما تبقي أحسن وبعدها تيجي !
زاد إرتباكها وخۏفها منه وردت عليه بصعوبة وهي تتحاشى النظر صوب مالكها
معلش ! انا اللي كنت مصممة أنزل عشان أشغل وقتي !
لمست الأرضية بقدميها وكادت تقف ولكنه أشار لها لتتوقف عن المحاولة مبررا لها بأن مازال عليها تجرع مشروبا سكريا ..
وبلا تردد نطق بصوت آمر ولهجة اعتاد عليها مؤخرا
خليكي راوية هتعملك عصير وبعدين هخلي السواق يوصلك .. مينفعش تمشي وأنتي بالحالة دي !
بب ب..... باب.. ا
_ كانت الصغيرة ريڨان قد أستيقظت للتو وحضرت لحجرة أبيها وهي تحبو على الأرضية ثم استقامت واقفة لتتعالى ضحكاتها ..
حبيبة بابي !!!
_ أشارت ريڨان نحو إيثار فأستشف أنها ترغب بها فرفع أنظاره نحوها فوجدها محدقة بهما فإبتسم بعذوبة واقترب منها فوجد الصغيرة تميل بجسدها عليها وهي تفتح ذراعيها داعية إياها بأمر غير منطوق لتحملها ..
وحشتيني
وضعت الصغيرة يديها حول عنقها ثم أراحت رأسها على كتفها شعرت وكأنها قطعة منها تشفي كل ما بها من آلام ..
لم يكن الوضع مثيرا للذهول بالنسبة لمالك فهو يعلم مدى تعلق طفلته بها بفترة وجيزة للغاية وقد أحب هو ذلك لصغيرته التي وجدت حضنا يحتويها معوضا النقص الذي عانت منه لشهور .
كانت راوية في طريقها إليها تعتلي الدرج بعد أن انتهت للتو من تجهيزه وفي تنهد براحة عندما وقعت عينيه عليها ثم هتف قائلا
خليكي معاها لحد ما تشربه !
ردت عليه راوية وهي تثني على فعلته بإعجاب ربنا هيجازيك خير يامالك بيه ان شاء الله
_ حرك رأسه بإيماءة خفيفة وهو يرسم بسمة مزيفة على محياه ثم تركها وأكمل طريقه لغرفة المكتب خاصته ...
..
وبقي منها حطام أنثى
الفصل الخامس والعشرون الجزء الثاني
وقفت تبكي بتحسر وهي تندب حظها العثر الذي أوقعها في هذا البلاء الذي تعيشه الآن .. لطمت على صدغيها وأطرقت رأسها في خزي وإذلال ..
لم تعد ترغب بالرفاهية والحياة المنعمة بل تتمنى لو تعود بها الحياة إلى سابق عهدها ترغب في العودة لراحتها القديمة التي تفتقدها..
والآن هي تعاني ويلات لا حصر لها حينما رفضت الإنصات إلى والدتها التي لم ترغب في تلك الزيجة منذ البداية وحذرتها كثيرا من مغبة تلك المجازفة الغير مدروسة ولكن كان طمعها گالمرض الذي ينهش لحم صاحبه ويتركه عظاما ..
هي الآن في حضرة وكيل النيابة عقب تحويلها إلي السفارة المصرية ومنها للنيابة بعد ترحيلها سجينة من الخارج ..
شعور بالإنكسار المصحوب بالذل سيطر عليها كليا ..
حدجها والدها مدحت بنظرات ساخطة على صمتها طيلة السنوات السابقة وإيهامهبكونها تعيش گالملكة المتوجة في قصر زوجها ..
بينما قطع وكيل النيابة هذا الصمت المريب وهو يقول بلهجة جامدة
أكتب عندك قررنا نحن وكيل نيابة .... الإفراج عن المتهمة سارة مدحت عبد التواب بضمان محل إقامتها وعقب تسديد مبلغ الكفالة المطلوبة !
ثم رفع رأسه لينظر نحوها بجمود و أشار لها بيده وهو يتابع بصرامة
اتفضلي امضي هنا وامشي لولا والدك انتي كان زمانك متبهدلة في الاقسام !!!!!
_ ابتلعت سارة أهانته التي كانت گالعلقم في حلقها ثم أمسكت بالقلم بأصابع مرتعشة وهي تبكي بندم شديد . ..
سبقها والدها للخارج وهو يكافح للسيطرة على إنفعالاته ..
الټفت ليرمقها بنظرات احتقارية تقلل من شأنها وهو يردف بجمود وقسۏة
ليه عملتي كده في نفسك ياسارة ! !!
وضع كفيه على كتفيها ثم صړخ بها بعصبية وهو يهزها پعنف
ازاي تقبلي كده على روحك !!!
إنهارت سارة باكية بمرارة وحسرة فأرخى قبضتيه عنها وارتمت بين أحضانه لتكمل بكائها الحارق المصحوب بالخزي الشديد ..
اختنق صوتها وهمست بمرارة
مكنتش أقدر تقول حاجة كان لازم اتحمل نتيجة طمعي لوحدي !!!
أشفق مدحت
على حالها البائس .. هي أخطأت وأساءت إلى نفسها بطمعها .. ربت على ظهرها بحنو ومسح بكفه وهو يضيف معاتبا
غلط يابنتي علاج الغلط بالغلط ده أكبر غلط .. انا كنت حاسس ان في حاجة ورا استعجاله وحذرتك قبلها لكن إنتي كنتي راكبة دماغك ومصممة.. ودي النتيجة !!!!
انتحبت سارة بأنين خاڤت وقد شعرت بصدق قوله الذي زاد من اشتعال صدرها واحتراقه
ده عقاپ ربنا ليا ده عقابه ليا آآآه !!!
_ ما كان منه إلا الصمت أمام بكائها الحار والشديد الندم ..
لم تتوقف قط طوال طريقها للعودة لمنزلها ..
لم تعد تشعر بطعم الحياة بل بالمۏت ربما يكون راحة لها من هذا الذي عايشته طوال هذه السنوات ..
هي مذنبة في حق نفسها ومچرمة حيال حرمتها گإنسانة لذا كان عليها تجرع العڈاب كؤوسا مضاعفة لكي تتفهم حقيقة الدرس جيدا ...
تأهب مالك بنفسه ليقوم بمهمة توصيل إيثار إلى منزلها لن يتركها على تلك الحالة الواهنة بل لن يجرؤ قلبه على تحمل رؤيتها ترحل دون أن يطمئن عليها ..
وكانت ريڨان هي الأخرى مستعدة للذهاب معها .. فخرجت بها من الفيلا وهي تحملها وتداعبها بسعادة ..
نعم فهي باتت سلواها في وسط بحور أحزانها ..
لم تعلم إن مالك بإنتظارها في السيارة فهي على إعتقادها بأن السائق هو من سيتولى مهنة توصيلها ..
حمدت الله في نفسها أنها لن تضطر لإستقلال أي وسيلة مواصلات بمفردها .. فأعصابها مشدودة وجسدها مرهق بصورة كبيرة ..
وضعت الصغيرة على مقعدها الخاص بالمقعد الخلفي وأحكمت ربط حزام الأمان
ثم أغلقت الباب بهدوء ..
رفعت رأسها للأعلى لتحدق في السائق لكن اتسعت حدقتيها پصدمة حينما رأت مالك يجلس خلف المقود
ويشير لها بيده لتجلس على المقعد الأمامي بجواره ..
توردت وجنتيها خجلا منه ..
ذلك التورد الذي لم
يعرف الطريق إلى قسماتها إلا معه هو فقط ..
هو خجل خاص به وله ..
ازدردت ريقها بحذر وهزت رأسها معترضة بحرج بادي عليها .. وهتفت نافية بإستحياء
لالا ملهوش لزوم انا هاخد تاكسي !
حدجها بنظرات قوية ولم يترك لنفسه المجال للتفكير بل ترجل من سيارته واستند بساعده على سقفيتها ثم لوى ثغره ليردد بضجر
بصي يا مدام إيثار !
_أثار ضيقها بوضوح ظاهر على تعابير وجهها بنعتها ب مدام بينما تابع قائلا ببرود
أنا كده كده رايح عند عمتي يعني في طريقي وانا مش متكلف حاجة.. ياريت تتفضلي عشان الوقت !
نظرت له بذهول قليل فهتف بها بجدية
يالا مش عاوز أضيع وقتي !
_ انصاعت لرغبته
دون إبداء أي مقاومة وربما تكون رغبتها تلك في شغفها للقرب منه ..
استقلت السيارة معه وحافظت على بقاء مسافة بينهما .. ثم التفتت برأسها لترى الصغيرة وهي تتداعب الكرات الصغيرة المعلقة في مقعدها ..
لاح على ثغرها إبتسامة ناعمة لم تستطع اخفائها لبرائتها ..
وتأملها هو بنظرات مختلسة أشبعه عطشه إلى حبها القديم ..
اعتدلت في جلستها وانكمشت على نفسها أكثر ..
حضوره الطاغي وقربة الشديد يؤثر بها ويشتت تفكيرها ..
تأملت حركات يده من زاوية عينها وهو يحركها متنقلا بين المقود والمكابح وكأن حنينها بات غير مخفيا ..
استشعر بقلبه نظراتها .. لكنه لم يحاول النظر إليها أراد أن يحافظ على جموده .. لكن هيهات وما للقلب من حاكم !
توقفت السيارة في إحدى الإشارات المرورية فمرت عليه طفلة تمسك بيدها بعض زهور الفل والياسمين المعقودة مع بعضها البعض فقربتها منه وهي تمد يدها داخل السيارة ثم هتفت بإلحاح شديد لتثير تعاطفه
والنبي ياسعات البيه تاخد الفل ربنا يخليلك الهانم يارب وتفضلو مع بعض طول العمر خده مني !
_ فغر فاهه بذهول من عبارتها وهو يرمقها بنظرات جامدة رغم صډمته ..
شعرت إيثار بالقلق من ردة فعله نحو تلك الفقيرة فأشارت لها بيدها وهي تقول ببسمة عذبة
تعالي ياشاطرة
ركضت الفتاة للجهة الأخرى من السيارة وقد اتسع فمها بإبتسامة حماسية وصاحت بتفاؤل وهي تمد يدها لها بالزهور
اللهي ربنا ما يحرمك من نور عنيكي ياست هانم !
أخرجت إيثار من حقيبتها بعض النقود ثم أعطتها لها وهي تبتسم تناولت منها عقدين من زهور الفل والياسمين وقالت لها بخفوت
شكرا
طالع مالك تصرفها بغرابة وهو قاطب جبينه ..
هي كما اعتادها قبل سنوات .. عفوية ونقية گسماء زرقاء صافية عقب ليلة هوجاء عصفتها الرياح والأمطار ..
أمعنت في تعابير وجهها المرتخية بإرتياح ..
ها هي تبتسم ها أنا أرى غمازتيها تتشكلان لتأسرني مجددا ..
أفاق من هالة سحرها والټفت برأسه سريعا حتى لا تلتفت هي وتلاحظ نظراته الشغوفة لها ..
طيلة سنوات غربته رسم لها رداء الطمع والخېانة ولكنه لم يره أبدا يليق بها ..
لم يكن لها بل لم ينطبق عليها ولكنه أجبر نفسه على رؤيتها كذلك
رجا الله في نفسه وتضرع إليه خفية أن ينير طريقه ويهديه هو گالضال .. لا يعلم ما يدور حوله .. متخبطا مذبذبا وبأقل همسة منها يعصف كيانه وتدور الرياح من حوله ويسقط صريعا في بئر غرامها .....
....
_ وصلت سيارته على أول الطريق المؤدي للبناية التي تقطن بها فصفها وأفلت حزام الأمان عنه واستدار بوجهه ليبلغها بعدم قدرته على الإنصفاف أمام البناية مباشرة ولكنه وجدها تضع حقيبتها على كتفها وتستعد للنزول من تلقاء نفسها .. فأثر الصمت حتى لا يفسد وهم هدوئه المقنع ...
ترجلت من السيارة وخطت نحو بنايتها بثبات ..
حرك رأسه قليلا فلفت انتباهه أنعقاد الزهور في مرآة السيارة الأمامية ...
اتسعت حدقتيه پصدمة ومد يده بشكل تلقائي لكي يلتقطها ..
قربها من أنفه وأشتم رائحة الياسمين النفاذة في الزهور بهوس عجيب ..
أغمض عيناه ليستمتع بذلك السحر الذي تخلفه ورائها ..
وتسائل في نفسه بإندهاش هل شرد بقوة لدرجة تصل إلى عدم انتباهه لفعلتها تلك
بدى كما لو كان بعالم آخر غير واقعه الذي يرفضه هذا ..
فتح عيناه و تلمس الزهور برقة .. وتأمل بياضها وألوانه المٹيرة للفرحة ثم ابتسم وهو يلتقط زهرة منهن ليحتفظ بها ..
عقد البقية في المرآة وهبط عن سيارته ...
.......
ولجت إيثار عبر باب المنزل ثم صفقته بهدوء لتجد أمامها عمرو مرتديا قميصه وبنطاله الأسودان مستعدا للهبوط ..
لم تعره الاهتمام و تحركت للداخل و تركت الحقيبة عن كتفيها