الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

و بقي منها حطام أنثى بقلم منال سالم

انت في الصفحة 49 من 62 صفحات

موقع أيام نيوز


عيناها قهرا وأطرقت رأسها وهي تكمل بصعوبة 
كان بيموتني في اليوم مليون مرة وأنا سكت ورضيت بنصيبي واستحملت ضربه وإهانته واتحرمت من أهلي وبرضوه سكت واستحملت لحد ما آآ...
توقفت للحظة لتلتقط أنفاسها اللاهثة وأكملت بنشيج يدمي القلب 
لحد ما أجهضني وأنا معرفش إني حامل ضړبني ومۏت ابني لأني كلمت بس أهلي .. عارف لما حتة منك ټموت وإنت مش دريان تخيل شعورك عامل ازاي أهو أنا كنت كده واتطلقت منه فماتقولش عندي مشاعر ليه أنا ماحبتش حد قبلك ولا حبيت حد بعدك بس إنت ماتستهلش الحب ده إنت زيك زي غيرك بتيجي على الضعيف وبتظلم أوي !

لمعت عيناه بوميض غريب ..
وتسارعت دقات قلبه مع فرط الآلم الظاهر في نبرتها ...
أهكذا كانت حياتك حبيبتي كنت تقاسين وأنا أظنك في الغرام تهيمين ! 
حاول أن يرد عليها فخرج صوته مترددا مصډوما 
أنا ..آآ...
قاطعته بنبرة حادة 
كان نفسي تكون زي ما إنت بس إنت اتغيرت للأسوأ بقيت مالك تاني مش عارفاه !
نظر لها عاجزا عن الرد .. فأكملت بأسف 
وأخويا لو غلط فعلى الأقل فهو ندم وتاب وبيحاول يصلح اللي عمله معايا زمان وأنا مسمحاه ما هو أخويا وسندي معدتش عندي إلا هو !
هتف بإسمها بصعوبة 
ايثار
توقفت عن البكاء لترفع رأسها للأعلى في كبرياء وأكملت بما تبقى لها من كرامة 
شكرا يا مالك بيه على الوقت
اللي اشتغلت فيه هنا ويا ريت لو بعت مرتبي للمكتب تخصم منه الأيام اللي كنت غايبة فيها ومقصرة في حق الشغل أنا مش بأخد حاجة ماتعبتش فيها !
تحركت من أمامه قبل أن يفتح فمه ليناديها .. 
ركضت وهي تكتم شهقاتها المتحسرة ..
رحلت لتبتعد عن الماضي بكل ما فيه .. 
صډمته فيما حدث لها كان أكبر من قدرته على الإستيعاب .. 
تسمر في مكانه مذهولا .. هي حقا مازالت تحبه .. وكانت تعاني وبشدة ..
هي حبيبته
الفصل السابع والعشرون الجزء الأول 
عشقها گالسم في وريدي منتشر 
وعقلي گالجليد وقلبي عليها حجر ..
إيا عشق تحن علي يوما وتحضر ..
لي حبيبتي .. گسابق عشقنا 
ألقت حروف كلماتها التي أشبهت الشظايا في آثرها والذي وقع على قلبه گدلو من الماء الساخن شديد الحرارة فأحرقه بلهيب حبه .. 
انصرفت من أمامه بخطوات راكضة لا تعلم ماهية الطريق هي تريد الهروب من كل شيء .. لم يعد يجمعهما إلا الإهانة والذكريات الموجعة وهي قد سئمت من هذا كله ..
ألا يحث لها أن تفرح ألا يحق لقلبها الملتاع أن يرتاح قليلا 
حاول هو اللحاق بها سريعا ولكن أعاقته طفلته التي يحملها بين يديه فهدر بصوته بلهجة حادة وهو ينادي على راوية والذعر يعتريه 
راوية انتي فين تعالي بسرعة !!!!
_ ركضت راوية نحوه مسرعة وهي تنتفض من صوته الأجش ونطقت بصعوبة قائلة 
أيوه.. نعم يامالك بيه!
مد لها يده بالطفلة لتلتقطها ثم ركض على عجالة من أمره بدون أن ينطق حرفا واحدا.. 
نظرت له مدهوشة .. ومسحت على ظهر الصغيرة بكفها وهي تهدهدها ..
خرج گالمجنون وعبر بوابة الفيلا يبحث عنها ولكنها اختفت بل الأحرى تلاشت تماما وكأنها لم تكن هنا أبدا ..
نظر يمينا ويسارا وتقدم بخطواته هنا وهناك ولكن لا آثر لها... كور قبضتيه وضړب بهما الحائط وهو يلوم نفسه لوما شديدا ويوبخها أيضا على قسوته معها فهدر بصوته بنبرة متشنجة 
ليييه ليه مقالتش من أول يوم !! ب.. بس انا مكنتش أعرف يارب كفاية كده أرجوك كفاية !!!!!
تنهد بمرارة حاړقة ووضع كفه باتجاه قلبه الذي نبض من أجلها من جديد ..
شعر بآلم يجتاحه بأوجاع ووخزات تقسو عليه لظلمه إياها ..
علقت العبرات على أهدابه وترقرقت بصورة واضحة ولكنها أبت الإنسياب على وجنتيه .. لقد خذلها وخذل نفسه وأوهم نفسه بأنها تعيش حياة سعيدة هانئة ولكنها كانت تعاني أكثر منه ورأت بعينيها ويلات الأيام .. هي بالفعل تحطمت ولم يبقى منها شيء ....
......
وكأن القدر يصر على لقائهما من جديد لحكمة غير معروفة... 
كانت تغطي فمها بيدها لتكبح شهقاتها المرتفعة ولكن لم تستطع منع دموعها من الإنهمار .. فقد كانت

گسيل المطر في ليلة عاصفة شديدة الرياح ..
نعم تلك الرياح هي التي حركت جذورها واقتلعتها لتخرج من قوقعة الصمت وتصدمه بالواقع المرير والمخجل الذي عاشته بكل ما فيه من قسۏة وظلم ..
هي قررت ألا تفصح له عن مكنونات قلبها أو عن إحساسها الذي لم يخبو يوما نحوه وتعهدت لنفسها ألا تسرد له قصتها المؤلمة والمخزية ولكنه دفعها بظلمه للخروج عن صمتها المرير وجعله يتعايش مع آلام الندم جراء قسوته معها لذلك اڼفجرت فيه معلنة نهاية الظلم نهاية القمع .. وباحت عما
جعله يخجل من حاله ومن ظلمه لها ..
قادتها قدميها إلى ذلك المكان الخاوي والذي جمعهما يوما ما .. فوقفت خلف أسواره ولم تقوى على الدخول في مواجهة الأمواج المتلاطمة جففت الرياح بقايا عبراتها المتجمدة ..
وحدقت أمامها بشرود ..حيث رأتهما .. 
أجل .. رأت نفسها تتجسد كطيف ملموس أمامها ورأته أيضا يقترب منها ..
ابتسامته المشرقة التي سحرتها يوما زادت لمعانا بقربها منه ..
كان يضع زهرة بيضاء بداخل حجابها لتكون موازية لعينيها ثم حاوط خصرها بذراعه وهو يلقى على مسامعها أطيب الكلمات وأكثرهم رهفا.. 
لم تنطق الشفاه بل فاضت الأعين بألاف الكلمات ..
ابتسمت لذلك المشهد الذي أسعدها وخفف من آلمها وهي تتخليه حقيقة .. 
ولكن لم يدم الأمر طويلا فقد اختفى من أمامها لتبقى ا صورة الرمال المحيطة بتلك البقعة الزرقاء الصافية ..
فأنهارت تبكي بشدة وبصوت مسموع للآذان ثم وضعت كفيها على وجهها لتغطيه بهما وهي تشهق شهقات مرتفعة ممزوجة بصوت البكاء وهتفت بنبرة متقطعة 
آآ... أنا بكرهك ... بكرهك يامالك آآآآه !
خفق قلبها بقوة وتلاحقت شهقاتها .. وفجأة شعرت بكف دافئ وقد أخذ محله على ظهرها فانتفضت بفزع وابتعدت عقب ارتجافة سارت بأطرافها لتنظر إلى من فعل هذا ..
شعور قليل بالإرتياح الممزوج بالإطمئنان حينما وجدت تلك السيدة العجوز البشوشة الملامح تبتسم لها بعطف دنت منها السيدة بخطوات متعرجة ثم مسدت على ذراعها وهي تقول بنبرة دافئة بثت فيها الشعور بالأمان 
اهدي يابنتي ولا مالك ولا غيره يستاهل تعملي في نفسك كده !
حدقت فيها إيثار بذهول وهي تنزح عبراتها عن وجنتيها فقد سمعت تلك العجوز عبراتها الشاكية لنفسها دون قصد منها مما جعلها تشعر بالحرج من نفسها.. فطأطأت رأسها بحرج وضيق بين .. 
ثم أسبلت عيناها نحوها وهي تتساءل بخفوت وبلهجة واهنة 
هو أنا صوتي كان عالي
مسحت السيدة على بشرتها الشاحبة بكفها المجعد وهي تبتسم لها بعذوبة وأجابتها 
صوت عياطك كان أعلى وأنا محبيتش أشوفك كده .. أنتي زي بنتي الله يرحمها !
تفاجئت من عبارة السيدة الأخيرة الصاډمة وهمست
مواسية 
الله يرحمها
شعور غريب بالإرتياح تسلل رويدا رويدا إليها .. رغم كونها لا تعرفها لكنها كانت كالبلسم المسكن للآلام ..
_ اد ظهور التجاعيد في وجه تلك العجوز عندما اختفت بسمتها وحل العبوس محل البشاشة فأطرقت رأسها بحزن شديد ثم هتفت والوميض قد أخذ طريقه لعينيها 
الله يرحمها انا عايزة أقولك أننا مش عايشين على طول .. امبارح عدا وفات والنهاردة مش عارفين نهايته إيه وبكرة ده مش بتاعنا احنا ضيوف على الأرض يابنتي
أنهمرت الدموع من مقلتي إيثار بغزارة بعد أن جاهدت لمنعها ولكنها لم تقو على ذلك فقد كان الألم أشد منها وأعنف .. فمسحت على وجهها بكفيها وهي تهتف بلهجة متحشرجة منكسرة 
بس انا تعبت عمري ما فرحت بجد من قلبي .. مش طالبه حاجة غير الفرحة في ناس كتير أوي فرحانين .. اشمعنا أنا بيحصل معايا كده ليه !!!!
هزت السيدة رأسها نافية وهي تضغط على ساعدها ثم نطقت ومازالت البسمة مرتسمة على وجنتيها 
مش صح يابنتي كل واحد عنده همومه اللي محدش يعرف عنها حاجة.. وبعدين يابنتي في بلاء أشد من بلاء أحمدي ربنا وأرضي عشان يرضيكي !!!!
أرادت تلك السيدة أن تدعم حديثها وتؤكده فقررت أن تفصح عن مصيبتها وبلائها العظيم .. گدليل منها لإثبات المقولة التي تحمل معنى من رأى بلاء غيره تهون عليه بلواه .. فقالت والحزن يخيم على صوتها 
أنا راح عيالي كلهم وحفيدي في يوم واحد !
شهقت إيثار بصوت مكتوم وابتلعت ما تبقى من ريقها الذي جف بصعوبة ثم تساءلت بإهتمام وقد سيطر على وجهها علامات الخۏف 
آآ.. أزاي 
أجابتها السيدة وقد تعلق بصرها بالسماء التي كانت ملبدة بالغيوم والسحب 
حكمة ربنا كده وأنا راضية ابني سافر عشان يقضي الأجازة مع أخته بره مصر .. وقدر يقنعها تنزل مصر هي وابنها وجوزها في أجازة !
اختنق صوتها نوعا ما وهي تتابع بأسف 
في اليوم ده الطيارة وقعت بيهم كلهم .. وخسړت بنتي وابني وحفيدي اللي مشوفتوش !
شحب وجهها وانخفضت نبرة صوتها لتصبح أكثر شجنا 
راح مني كل اللي بحبهم في يوم واحد ..ومقولتش غير الحمد لله رب العالمين وهما أكيد في مكان أجمل من دنيتنا دي !
رغما عنها بكت إيثار متأثرة .. يا الله كم عانت تلك السيدة من فراق أحبابها .. من مۏت أخذ بغتة الأقرب إليها وأنا هنا أبكي على حب مضى وانتهى 
أشفقت على تلك العجوز التي تخفي خلف قناع بسمتها كثير من الآلم ..
مسحت عبراتها بكفها وشردت أمامها تفكر في مصېبة تلك السيدة .. أي شيء يمكن أن يقارن بخسارة الأبناء والأحفاد أي قدرة عظيمة جعلت تلك السيدة تتحمل فراقهم المؤسف بتلك الشجاعة العجيبة .. 
إنها تعاني من فاجعة أشد وأقوى من مصيبتها التي لا تذكر .. توقف سيل عبراتها وأخذت تفكر بشكل آخر ..
_ لقد اقتنعت بصدق المقولة وبدأت روحها تسكن رويدا رويدا بينما تابعت السيدة بنبرتها الحنون الدافئة وهي تردد
فهمتي يابنتي مفيش حاجة تستاهل وكلنا ماشيين في يوم
حركت إيثار رأسها بتفهم وقد شعرت بالحنين لذلك الذي توارى أسفل التراب أبيها الراحل .. ذاك الذي قضت سنواتها الأخيرة بعيدة عنه تبغضه لفعلته في حقها وهو لم يكن يسعى سوى لراحتها وسعادتها .. حتى وإن كانت طريقته خاطئة ..
تنهدت بعمق وفجأة... 
دوى صوت الرعد في المكان وظهرت الخيوط الضوئية البراقة البرق في السماء وبدأت السماء تهطل كما غزيرا من الأمطار ..
ارتجفت إيثار قليلا ورفعت وجهها للأعلى وهي تطبق على جفنيها لتترك العنان لتلك القطرات الباردة لتهديء من سخونة وجهها وتمسح بقايا الدموع عنها ..
تناجت مع الله بقلبها ودعته أن يدخل السرور على تلك العجوز التي أزاحت ثقلا عنها .. ثم تمنت منه بتضرع أن يقر عينيها بفرحة تدمع لأجلها فإنها بحاجة ماسة لها . 
ظل يجوب غرفته ذهابا وإيابا يفكر في حل سريع ومرضي للوصول إليها ولكنه لم يتمكن فقد عجز عن ذلك بسبب فرط خوفه وتوتره
 

48  49  50 

انت في الصفحة 49 من 62 صفحات