الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

و بقي منها حطام أنثى بقلم منال سالم

انت في الصفحة 41 من 62 صفحات

موقع أيام نيوز


تسأله بتوجس 
أحضر لحضرتك العشا يامالك بيه 
أجابها مالك وهو يشير لها لتأخذ الطفلة 
لأ خدي ريڨان وديها للمدام عشان تأكلها وأنا نازل أوضة المكتب !
_ التقطت منه الصغيرة وهدهدتها برفق ثم تحركت لتترك الحجرة وعيني مالك معلقة بابنته حتى اختفت عن أنظاره .
.. .
_ كانت الساعات تمر عليها گالدقائق وهي جالسة مع الصغيرة

ريڨان..
انتهت من إطعامها
واطمئنت على استقرار معدتها بعد أن تأذت بفعل تغيير درجات الحرارة .. ثم احتضنتها وسردت عليها القصص البسيطة التي تصل لعقلها الغير واعي حتى غاصت ريڨان بنوم ثابت وعميق ..
غطت وجهها بعطايا قبلاتها المتعددة ثم تحركت بحذر شديد وهي تسحب يدها من أسفلها ..
جمعت حوائجها وعلقت حقيبتها على كتفها وخرجت لتبحث عن مالك لتبلغه بمواعيد الدواء المنتظمة لكي يأخذ حذره في غيابها خاصة في الليل ..
_ في نفس التوقيت غفا مالك بإرهاق وتعب بعد أن قضى عدة ساعات وهو يطالع الكثير من الملفات..
آلمته عضلات جسده لذا قرر أن يعطي لنفسه فسحة ليجدد نشاطه فقام بإراحة رأسه للخلف قليلا ولكن غلبه النعاس وتحكم سلطان النوم على عينيه ..
بحثت إيثار عنه في بهو الڨيلا ولكنها لم تجده ..
بنفس اللحظة لمحت أضواء المكتب المنارة فتوجهت بخطوات مترددة نحوه
احتارت في طريقة إبلاغه برسالتها عضت على شفتها السفلى وتساءلت مع نفسها بقلق هل تبلغه بهذا شخصيا أم تترك له رسالة مع الخادمة راوية 
خشت أن يتهمها مجددا بالاهمال وعدم التفاني في عملها فحسمت رأيها في النهاية بإبلاغه شخصيا ...
وبالفعل تحركت بثبات نحو الغرفة ثم طرقت بخفه على الباب قبل أن تلج للداخل ..
ولكنها تفاجئت بهيئته .. كان الشحوب يبدو عليه وكأن أصابه الأعياء وبدى عليه الأرق وقلة النوم ..
أشفقت عليه وهي تتطلع لملامحه بحنين لهذا الغريب وكادت تخرج وتتركه كما هو دون إزعاجه ولكن ما أثار انتباهها هو الكثير من الأوراق المتبعثرة يمينا ويسارا على سطح المكتب فقامت بترتيب الأوراق دون أن تصدر صوتا.. ولكنها قرأت ما حوته بفضول .....
_ ما هذا الهراء!
هكذا حدثت نفسها عندما لمحت الكثير من الأخطاء والسړقة الواضحة كوضوح الشمس في وضح النهار ..
فنظرت له مليا ثم حسمت رأيها بأن تجمع الأوراق وتطلع عليها بالخارج لتكون على حريتها ..
هذا التخصص في أساس الأمر تخصصها وهي قد اشتاقت له نعم لقد سنحت لها الفرصة من جديد لتمارسه 
خرجت من الحجرة بهدوء والتفتت برأسها لتلقي عليه نظرة أخيرة متأملة قبل أن تغلق الباب عليه بحذر ..
.. ..
_ في ضحى اليوم التالي تحرك مالك على مقعد مكتبه وهو يتأوه من الألم الذي أصاب عنقه بسبب غفلته عليه ..
قام بشد ذراعيه للأمام تارة وللخلف تارة أخرى حتى يتمكن من تحريك كامل جسده ..
وكذلك مط عنقه للجانبين ليفك ذلك التيبس الذي أصابه ..
تحرك وهو يعرج بقدميه للخارج ولم ينتبه مطلقا لوجود هذه الأوراق ..
نظر في ساعة يده فعلم أن الوقت مازال أمامه لينال قسطا من الراحة قبل الذهاب للعمل .
_ وأثناء سيره باتجاه الدرج لمح أوراقه على الطاولة المجاورة للأريكة ..
اتسعت حدقتيه بذهول بعد أن فركهما جيدا وبلمح البصر كان قد اتجه نحوهم ..
دقق النظر فيهم وظل يقلبهم ورقة تلو الأخرى..
كانت إيثار قد وضعت اشارات عديدة بقلم ملون حول بعض الأرقام ورسمت بعض الدوائر الملفتة على أخطاء عديدة بهذه الحسابات ..
كان عملا رائعا بحق أثبتت فيه جدارتها لم ينس أنها كانت متميزة في مجال دراستها وهي ذكرته توا بمهارتها ..
مشاعر مضطربة ظهرت بداخله .. هل يوبخها على فعلتها أم يثني عليها لأنها سهلت عليه الكثير !!
تنهد بعمق وهو يتمتم لنفسه 
_ وبعدين معاكي ياإيثار!
.. زفر أنفاسه المحتقنة وأمسك بهاتفه من جيب بنطاله ولكن لفت انتباهه أن الوقت ما زال مبكرا ولا يجوز الاتصال بها بهذا الحين فقرر البقاء مستيقظا بعد أن غابت عنه الرغبة في النعاس وجلس ينتظرها في الردهة ...
.
_كانت إيثار في هذا التوقيت المبكر تعاني من ويلات الخۏف والذعر فوالدها على فراش المۏت ..
لا يستطيع التنفس ... روحه تنفلت من بين أصابعه
شعور مخيف وهي تتخيل أن ملك المۏت رائحته تفوح في المكان ..
كان ينظر لعائلته في لحظات سكرات مۏته وكأنه يودعهم بأنظاره بينما صاحت تحية هادرة بفزع
اتصرف يا عمرو يابني ابوس ايدك ماتسبش أبوك كده هايروح مننا
رد عليها عمرو بهلع شديد 
كلمت الدكتور وقالي هييجي حالا على هنا
هتفت إيثار بړعب
وقد تسببت الصدمة في ارتعاش أطرافها وتناثر حبات العرق على جبينها 
طب آآ.. نوديه اي مستشفي او اي قسم طوارئ بسرعة !!!
هتف عمرو متلهفا وقد طرأ بباله فكرة 
انا هروح اجيب عربية اسعاف من المستشفي اللي جنبنا حالا !!
صاحت تحية پخوف وهي تلوح بيدها له 
بسرعة يابني !
_ شهق رحيم بشهيق متقطع مخيف ثم اتسعت حدقتيه بصورة أخافت تحية وتلون وجهه بحمرة شديدة ثم لفظ أخر أنفاسه وأنظاره محدقة بالسماء ..
سكون رهيب حل في المكان
ذلك الجسد الذي كان ينبض قبل أقل من ثانية بالحياة أصبح جثمانا لا روح فيه ..
شحب وجهه وتجمد كالصنم ..
صړخت إيثار بقوة لم تعهدها من قبل 
بابا ...!!!
تصلبت قدمي عمرو في مكانه على إثر صوتها المخيف ولم يستطع الاستدارة ليرى هول الفاجعة .....
صړخت إيثار مجددا بصوت يقطع نياط
القلوب وقد سبقتها عبراتها 
باااباااااااااااااا ..... !!!!!!!!!!!!!
.
الفصل الرابع والعشرون 
وبات اللقاء بيننا محال 
لن تأتي أبدا إلي 
حتى وإن الزمان طال 
فكل شيء بعدك أبي أصبح في زوال 
هكذا شيعت إيثار والدها إلى مثواه الأخير بعبرات حاړقة .. كانت تعتقد أنه سنوات عمره ستمتد إلى سنوات وسنوات ولكن لكل أجل كتاب وها قد حان وقت رحيله ..
جرجرت تحية قدميها وهي مستندة على سيدتين من أقاربهم ممن أتوا لتأدية واجب العزاء
شارك عمرو في حمل جثمان أبيه وتعهد له بتنفيذ وصيته الأخيرة في حق أخته الصغرى ..
نعم سيصبح سندها ظهرها الذي تحتمي فيه من غدر الزمان .. من تلجأ إليه في أصعب الأزمات .. سيعوضها عما فات ..
.
جلس مالك في الحديقة يترقب وصولها بعد أن قرر عدم الذهاب
إلى عمله اليوم ولكنها تأخرت على غير عادتها ..
طالع ساعته لأكثر من مرة وزفر بإنزعاج واضح ..
هز ساقه بعصبية وارتشف أخر ما تبقى من فنجان قهوته ..
مل من إنتظارها وعقد العزم على مهاتفتها ..
أمسك بهاتفه وعبث بأزراره ليتصل بها ولكنها لم تجب على اتصاله ..
ظن أنها تتجاهل إياه عن عمد فتجهمت قسماته وتوعدها بالتوبيخ اللاذع ..
عاود الإتصال بها لكن لا جديد .. فزاد حنقه منها وتمتم بنبرة محتدة 
ماشي يا إيثار !
ثم نهض من مكانه وتوجه إلى الفيلا وهو يصيح بصوت منفعل 
راوية جهزي ريفان أنا هاخدها وخارج
ردت عليه الخادمة راوية بنبرة خانعة 
حاضر يا مالك باشا !
ثم توجه بعدها إلى الدرج ليصعد إلى غرفته ويبدل ثيابه ..
..
توقفت لتلتقط أنفاسها في جانب الزقاق الضيق بعد أن ركضت بأقصى سرعتها هاربة منهم .. إنهم يطاردونها الآن بسبب عجزها عن سداد الدين ..
لم تعد تتحمل تلك الضغوط القاسېة بل هي لم تتخيل أن تتحول حياتها إلى چحيم لا ينتهي ..
كانت تبحث عن الثراء والراحة ناقمة على حياتها الماضية وظنت بزواجها

من رامز ستتحقق جميع أحلامها لكن مع أول ليلة لهما بعيدا عن وطنها اكتشفت أن وعوده بالكامل كانت مجرد أوهام ..
اعتدلت سارة في وقفتها ثم أكملت ركضها وهي تدعو الله في نفسها ألا تطالها أيدي الشرطة ..
لكن هيهات ها قد حاصرها رجال الشرطة في زاوية ما وألقوا القبض عليها لتبدأ مرحلة جديدة من عڈابها الذي لا ينتهي ..
قادوها إلى السيارة وهم يسبونها بألفاظ تدنى لها الجبين فبكت بمرارة على حالها البائس ..
ثلاث سنوات مضت وهي تتجرع نتيجة إختيارها الخاطيء .. لم تشعر بالراحة أبدا وكأنها تعاقب على جريرتها في حق إيثار ..
..
صف مالك سيارته على مقربة من البناية القديمة فقد تعذر عليه ركنها بجوارها بسبب ذلك السرادق الذي يقام أمامها ..
ترجل من السيارة والټفت بجسده للخلف ثم فتح الباب الخلفي ليخرج صغيرته بعد أن أرخى حزام الأمان عن مقعدها ..
حملها برفق على ذراعه وعلق حقيبتها الخاصة على كتفه الأخر ثم صفق الباب بهدوء وتحرك صوب مدخلها ..
لاحظ هو حالة الحزن والوجوم البادية على أوجه الحاضرين ..
لم يتعرف على معظمهم فقد كانوا غرباء عنه .. 
تساءل بجدية وهو يقترب من أحد العمال المسؤلين عن ڼصب السرادق 
هو ده عزا مين 
أجابه شخص ما من الخلف بنبرة حزينة 
ده الحاج رحيم عبد التواب تعيش انت !
خفق قلبه بقوة بعد سماعه لذلك الخبر المؤسف .. وتجمدت تعابير وجهه من أثر الصدمة ..
إرتفعت عيناه عفويا للأعلى لتتعلق بنافذتها المغلقة .. 
هكذا إذن .. هي لم تتخل عن موعدها اليومي معه إلا بسبب ۏفاة أبيها ..
يا إلهي كيف هو حالها هي مڼهارة أم صامدة أمام هول الفاجعة التي عصفت بها 
أدمعت مقلتيه تأثرا برحيله وتحرك سريعا للداخل ..

أجلست العمة ميسرة الصغيرة ريفان على حجرها وأخذت تداعبها بلطافة ثم حدقت في مالك وتابعت قائلة بجدية 
هو بقاله فترة تعبان مكوناش حتى بنشوفه لا طالع ولا نازل !
أضافت روان قائلة بهدوء 
حتى إيثار كانت بتجيله كتير الفترة اللي فاتت
أثارت عبارتها الأخيرة حفيظة مالك فتساءل بإهتمام 
ليه هي مكانتش أعدة هنا 
هزت روان كتفيها وهي تجيبه بنبرة حائرة 
مش عارفة بصراحة أنا ماليش كلام معاها من زمان
أضافت ميسرة بجدية وهي تحكم ذراعها حول الصغيرة 
احنا المفروض نعمل واجب العزا بغض النظر عن أي حاجة كانت بينا المۏت ليه حرمة !
وافقتها روان الرأي فهتفت مدعمة
صح يا عمتو
ورد مالك بإيجاز وهو يفرك طرف ذقنه 
أكيد
ثم تحرك بعدها إلى داخل غرفته ليختلي بنفسه ..
ألقى بجسده على الفراش وشبك يديه خلف رأسه ثم حدق في السقفية وتنهد بعمق ..
شعور مؤسف ممزوج بالضيق والإنزعاج يسيطر عليه كليا لا يعرف سبب غضبته ..
هل هو لۏفاة ذلك الرجل أم لرغبته في رؤية إيثار والاطمئنان عليها 
إيثار .. حلمه البعيد عنه والقريب منه لا يتقبل على الإطلاق أن تستحوذ على تفكيره وهي زوجة لغيره ..
لكنها كالمخدر تشتاق إليها روحه دوما ...
أغمضت عيناه بقوة ليخفي صورتها
المتجسدة أمامه ولكن أبى طيفها ألا يفارق حتى خياله ..
..
أنهى المقريء ترتيل آيات القرآن فاصطف المعزون في صف طويل إلى حد ما ليأدوا واجب العزاء في الحاج رحيم ..
وقف ابنه عمرو في المقدمة يصافح الموجودين بنظرات شاردة ووجه عابس للغاية ..
فالخسارة كبيرة والراحل لا يعوض 
ووقف إلى جواره عمه مدحت الذي لم يتمالك نفسه فإنهار باكيا على فراق أخيه ..
اقترب مالك بخطوات ثابتة ولكنها ثقيلة من عمرو ليعزيه ..
تفاجيء الأخير بوجوده ومد يده ليصافحه
 

40  41  42 

انت في الصفحة 41 من 62 صفحات