الأحد 24 نوفمبر 2024

و بقي منها حطام أنثى بقلم منال سالم

انت في الصفحة 24 من 62 صفحات

موقع أيام نيوز


بخطوات بطيئة متثاقلة ..
جابت بنظرات خاطفة وسريعة للمكان من حولها تأملت الصالة بنظرات أكثر دقة محاولة تذكر ما فعلته لترتب الأثاث ..
ولكن باءت محاولتها بالفشل فهي كانت شاردة معظم الوقت تساق كالمغيبة وترك أغلبية الأمور لأمها وأخوها ..
فاقت من غفلتها السريعة على صوت صفق الباب پعنف فانتفضت مذعورة بجسدها وأدارت رأسها للخلف لتنظر إلى محسن الذي كان يحاصرها بنظراته الجريئة ..

التوى ثغره بإبتسامة صفراء وهو يقول 
نورتي بيتك يا حلوة والليلة ليلتك يا قمر ! أظن بقى مافيش أحلى من دي ليلة !!!!
ثم زاد من نظراته الوقحة نحوها ..
شهقت مصډومة من أسلوبه الفظ في الإشارة إلى ليلة عرسهما ..
ضاقت نظراتها نحوه وهمست بصوت شبه متحشرج 
أنا هاغير هدومي الأول
مش عاوزة مساعدة
قالها محسن وهو يتقدم صوبها فتراجعت مذعورة للخلف .. وهزت رأسها معترضة بإصرار وهي تقول بهلع قليل 
لأ .. أنا هاتصرف مع نفسي
رمقها بنظرات غامضة قبل أن يرد عليها بمكر 
وماله خدي راحتك يا عروسة ما انتي معذورة لسه مش واخدة عليا !
سارت مسرعة نحو غرفة النوم وهي تعض على شفتيها قهرا .. وفكرة واحدة مسيطرة على عقلها كليا .. أن أخيها قد زج بها في تلك الکاړثة بلا رحمة ...
أغلقت الباب خلفها واستندت بكفها عليه قليلا محاولة السيطرة على نوبة البكاء التي تهدد بالإنطلاق في أي لحظة .. أغمضت عينيها بقوة ونكست رأسها حزنا ..
لم تكن هي ليلة عرسها التي تخيلتها ولطالما حلمت بها ولم يكن محسن هو فارس الأحلام الذي انتظرته بعشق لتتوج قصة حبهما بالزواج ..
أخذت تتنفس بعمق في محاولة بائسة منها لنفض ذكريات الماضي عن عقلها .. والتطلع إلى مستقبلها المجهول مع شخص بالكاد عرفته ..
تحركت بتثاقل للأمام فوقعت عينيها على الفراش .. فتسمرت في مكانها مشدوهة ..
تذكرت كلمات والدتها المقتضبة حول ماهية ليلة الزفاف وما على العروس من فعله لتنال رضاء زوجها وتوقعه أسير غرامها ...
فإنتابتها حالة من الإرتباك الممزوجة بالړعب.. تنفست ببطء لتسيطر على إنفعالاتها المتوترة ..
ثم بحذر شديد أزاحت حجاب رأسها عنها ..
مدت يديها للخلف لتفك السحاب الخاص بفستانها ولكن انتفض جسدها فزعا حينما رأت محسن يقتحم عليها الغرفة دون سابق إنذار ..
تراجعت بړعب للخلف وحدجته بنظرات ڼارية وهي تصرخ فيه معنفة إياه 
في ايه إنت ازاي

تدخل عليا كده
برقت عينيه بشرر مخيف وهو يرد عليها بنبرة حادة 
جرى ايه يا حلوة مش إنتي مراتت ولا أنا غلطان !
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تهمس برجاء
لو سمحت أنا محتاجة آآ...
قاطعها وهو يهجم عليها مطوقا إياها من خصرها بذراعيه وكأنها فريسة قد وقعت في شباكه 
أنا مش قادر أصبر أكتر من كده
حاولت إيثار دفعه بقبضتيها من صدره وقد بدى النفور واضحا على تعابير وجهها وتوسلت له بنبرة مخټنقة 
لو .. لو سمحت أنا محتاجة أخد الأول عليك اديني فرصة آآ...
قاطعها قائلا بهمس فحيح وهو يحاول تقبيلها رغما عنها على وجنتها 
تاخدي عليا ! هو احنا لسه هنتعرف ده انتي مراتي !
أغضبه بشدة نفورها منه وهتف وهو يصر على أسنانه بغلظة 
الظاهر إن حبيب القلب لسه في بالك !
ارتعدت من أسلوبه العڼيف ومن نظراته الممېتة المسلطة نحوها وتحركت شفتيها قائلة دون أن تنطق
م.. مالك !
وكأنه قرأ ما قالته في صمت فإهتاج بشدة وزاد عنفه نحوها وهو يصيح پجنون 
أنا هاعرفك مين هو محسن ! إنتي مش متجوزة عيل !!!!
قاومته بشراسة لكن إصراره بإفتراسها كان يزداد مع كل مقاومة منها نجح
بكت بحړقة وأغمضت عينيها قهرا وخزيا .. فها قد تدمرت أخر أحلامها الناعمة .. وحل محلها ذكرى أخرى بائسة لن تمحى من ذاكرتها ..
انتي ليا وبس !
وما أوجعه هو اعتقاده بخېانة إيثار له وتخليها عنه بتلك السهولة ..
اعتصر قلبه بشدة من ذكراها .. وشد من قبضة يده الممسكة بالدرابزون المعدني وهو يتحرك نزولا عن السفينة ..
جاهد ليمحو طيف صورتها التي تتشكل أمامه بين الفنية والأخرى وكأنها تتعمد إلهاب جرحه ..
ابتلع ريقه بصعوبة وحبس أنفاسه في صدره ليهدأ من تلك النيران المستعرة بداخله ..
جاب المكان أمامه بنظرات خاوية وحدق في أوجه الواقفين على رصيف الميناء بنظرات واجمة ..
مالك يا مالك أنا أهوو
صوت تردد بنبرة مرتفعة أثار انتباهه وجعل رأسه يدور في أغلب الاتجاهات بحصا عن صاحبه ..
وبالفعل وقعت أنظاره على رفيقه نادر ..
ابتسم له ابتسامة مجاملة وتحرك صوبه
استقبله رفيقه بحرارة وضمھ بشدة إليه وهو يضيف بحماس 
أخيرا يا سي مالك حنيت عليا ووافقت تيجي !
التوى ثغره بإبتسامة خفيفة وهو يسأله 
ازيك يا نادر 
أجابه نادر بنبرة مفعمة بالحيوية وهو يجر حقيبة سفره من حاملها 
الحمدلله قولي ايه الأخبار معاك والرحلة كانت عاملة ازاي 
رد عليه بنبرة مرهقة وهو يعلق حقيبته الأخرى على كتفه 
الحمدلله ماشي الحال
وكأن رفيقه قد رأى لمحة الحزن المتجسدة في عينيه فسأله متوجسا 
في ايه مالك انت شكلك مش آآآ...
قاطعه مالك مسرعا حتى لا يترك له الفرصة لإستجوابه 
متخدش في بالك ده بس من تعب السفر
أومأ الأخير برأسه موافقا وهو يضيف 
أها .. عندك حق برضوه السفر بالمركب بيتعب يالا بينا هوديك عند بيتي تغير هدومك وتاكل وترتاح
ماشي
ثم تحرك الاثنين في إتجاه إحدى السيارات المصفوفة خارج الميناء ليستقلاها بعد أن وضع نادر الحقيبتين في صندوقها ..
كانت ليلة كئيبة بحق لم يغمض فيها جفن لإيثار التي ظلت تبكي في صمت مرير ..
نام محسن إلى جوارها وغط في سبات عميق بعد ذلك المجهود المتوحش الذي استنفذ طاقته كلها ..
لقد فاق ما فعله بها تصورات والدتها التي كانت تخبرها بها على استحياء ..
ظلت تغتسل وتغتسل وتغتسل وهي تبكي بآسى وحسرة لعلها تزيل تلك الأثار المقيتة عنها ..
ولم تمنع شهقاتها من الظهور ..
بقت لفترة في المرحاض حتى زاد وهنها فأغلقت الصنبور وخرجت منه وهي تلتف بروبها القطني ..
لم ترغب في العودة إلى غرفة نومها ..
وسارت بضعف في اتجاه الصالة وألقت بجسدها المنهك على أقرب أريكة .. ثم لفت نفسها بذراعيها وكأنها تحتمي من ذلك الشړ القابع بالداخل ..
أرجعت رأسها للخلف وأغمضت عينيها وهي
تتنهد بإنكسار لم تتذوق سواه وما هي إلا لحظات واستسلمت لصوت جسدها المتعب ونامت ودمعاتها الدافئة تنساب على وجنتيها ...
...
انتهى مالك من ترتيب متعلقاته الشخصية في خزانة الملابس بغرفته في منزل رفيقه نادر ..
ذلك الرفيق الذي ندر وجوده في
تلك الأيام ..
كان عرضه سخيا بحق .. فرصة عمل مميزة من وجهة نظره بإحدى شركات الإستيراد والتصدير متعددة الجنسيات والتي يعمل بها كمدير تنفيذي ..
لم يستطع الرفض خاصة وأنه كان يحتاج إلى مكان يبعد فيه عن كل ما يتعلق بالماضي المؤلم ..
أراد فرصة ليبدأ فيها من جديد ..
فرصة تتيح له الوقت ليلملم شتات نفسه ويستعيد هويته التي ضاعت بخيانتها ..
إيثار .. مازال صدى اسمها يتردد في أذنيه وطيف ضحكاتها الناعمة تداعب قلبه ووميض نظراتها الباسمة تسيطر على عقله ..
غمازتيها .. تلك العلامتين التي طالما أسرته ..
إيماءة رأسها وإلتواءة شفتيها وهي عابسة ..
كم
ېقتله الحنين إليها ..
تنهد بعمق لأكثر من مرة محاولا إبعادها بيأس عن ذاكرته ..
ظل يذكر نفسه مرارا أنها لم تعد له هي خائڼة العهود هي التي إرتضت بغيره لأنها أقدر ماديا وأوهمته الحب .. فتركته يقاسي بمفرده في غربة موحشة ..
فردد مع نفسه إحدى قصائد نزار الشعرية مواسيا روحه 
وما بين حب وحب
أحبك أنت
وما بين واحدة ودعتني
وواحدة سوف تأتي
أفتش عنك هنا وهناك
كأن الزمان الوحيد زمانك أنت
كأن جميع الوعود تصب بعينيك أنت
فكيف أفسر هذا الشعور الذي يعتريني
صباح مساء 
.
مد محسن ذراعه وهو شبه غاف إلى جواره ليتلمس زوجته الجميلة فوجد مكانها خاويا وباردا ففتح عينيه فجأة .. وضاقت نظراته المنزعجة وهو يفتش عنها سريعا ..
اعتدل في نومته وحك مؤخرة رأسه ثم تثاءب ونهض بتثاقل من على الفراش ..
جرجر قدميه وهو يتحرك للخارج ..
رأها وهي غافية و متكومة على نفسها على الأريكة في روبها القطني فأثارته وحركت غرائزه نحوها ..
تقوس فمه بإبتسامة عابثة ودار برأسه أفكار طائشة ..
اقترب منها وجلس إلى جوارها .. وظل يطالعها بنظرات دقيقة أكثر جرأة ..
مد يده لينزع ببطء عنها روبها وهو يمتع عينيه بمفاتنها الأنثوية فقد ظل محروما لفترة من امرأة جميلة ترضيه وتلبي رغباته ..
تململت إيثار في نومتها الغير مريحة وشعرت بلمسات حذرة على بشرتها أصابتها بالقشعريرة ..
رعشة باردة دبت فيها فجأة ففتحت عينيها مذعورة وحدقت فيه بهلع ..
رأت يديه على جسدها فأبعدتهما پخوف وضمت سريعا فتحتي روبها لتغلقه جيدا ..
تحولت نظراته للإظلام وهو يرى ردة فعلتها فصاح بها بقوة 
في ايه شوفتي عفريت !!!!
نظرت له متأففة وحاولت النهوض وهي تجيبه بتلعثم 
أنا .. انت آآ...
قاطعها قائلا بشراهة أرعبتها أكثر 
أنا عاوزك
لسه بتتكسفي مني يا عروسة !
وضعت قبضتيه على ذراعيها فدفعته بعيدا عنها بركبتيها المضمومتين رافضة أي محاولة منه لتحقيق مبتغاه ولكنه أبى ألا يتركها ..
فقد طاب له التمتع بها ..
وها قد عاود تكرار فعلة الأمس ليزيد من إزدرائها لنفسها .....
جمعت تحية صحون طعام الإفطار الفارغة وهي تتنهد بحزن ..
كانت ملامح وجهها عابسة للغاية نظراتها شاردة ..
تشعر بإشتياق إلى ابنتها الوحيدة رغم أنها لم تفارقها إلا بالأمس ..
رأها عمرو على تلك الحالة الواجمة فاقترب منها وسألها متعجبا 
ايه اللي مضايقك 
ردت عليه بإقتضاب 
مافيش !
أدرك عمرو دون أن تنطق والدته أن سبب حزنها
 

23  24  25 

انت في الصفحة 24 من 62 صفحات